ولا تقتصر الاستفادة من تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المسلمين فحسب، بل تعم الفائدة الجميع، مسلمين وغير مسلمين، ولا ننس أن نقول: إنه رضي الله عنه صاحب الفضل في ابتكار الكثير من الوسائل التي ما زال الناس ينتفعون بها إلي اليوم فهو:
* " أول من دوّن الديوان وعمل فيه؛ والديوان سِجِل أو كتاب تُدوّن فيه وتُسجَّل أسماء أفراد الجيش والذين يُعطَون والعمال... " (تاريخ دمشق جزء 57 ص 404)
* " وهو أول من اتخذ الدِّرة.
* وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين... " (أسد الغابة جزء 1 ص832)
* " وهو أول من جمع القرآن في الصحف.
* وهو أول من سَنِّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة.
* وهو أول من ضرب في الخَمْر.
* وهو أول من فتح الفتوح وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله السواد والجبال، وأذربيجان، وكور البصرة وأرضها، وكور الأهواز، وفارس، وكور الشام ما خلا أجنادين فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق رحمه الله، وفتح عمر كور الجزيرة، والموصل، ومصر، والإسكندرية، وقتل رحمه الله وخيله على الرَّي وقد فتحوا عامَّتها.
* وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل، ووضع الخراج على الأرضين، والجزية على جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهمَا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا، وقال: لا يعوز رجلا منهم درهم في شهر. فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم ودانقين ونصف.
* وهو أول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل وأنزلها العرب، وخَطَّ الكوفة والبصرة خططا للقبائل.
* وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.
* وهو أول من كتب الناس على قبائلهم، وفرض لهم الأعطية من الفيء، وقسم القسوم في الناس، وفرض لأهل بدر وفضّلهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدمهم في الإسلام.
* وهو أول من حمل الطعام في السفن من مصر في البحر حتى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة... " (الطبقات الكبرى جزء 3 صفحة 281، 282)
نسبه وقبيلته
عمر بن الخطاب في عداد أشراف مكة نسبًا، ومن أرفعها قدرًا، وأعلاها منزلة، فهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي.
" وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. فعلى هذا تكون أخت أبي جهل وعلى الأول تكون ابنة عمه، قال أبو عمر: ومن قال ذلك- يعني بنت هشام- فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما؛ لأن هشامًا وهاشمًا ابني المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة وهشام والد الحارث وأبي جهل.
وكان يقال لهاشم جد عمر: ذو الرمحين.
وقال ابن منده: أم عمر أخت أبي جهل. وقال أبو نعيم: هي بنت هشام أخت أبي جهل وأبو جهل خاله... " (أسد الغابة جزء 1 صفحة 814)
مولده
وُلد رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة، وذلك بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. "
لماذا أحد هذين الرجلين؟
كان أهل الإسلام يجتمعون في بدء الإسلام سرًّا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، لقلة عددهم، وشدة قريش عليهم.
وكان ممن عرف بالشدة على المسلمين عمر بن الخطاب، وأبو جهل، وكان لهما من المكانة الشيء الكبير، وفي هذا الوقت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوقع خيرًا للإسلام والمسلمين، بإسلام أحد هذين الرجلين.
أما عمر بن الخطاب، فكان من أشراف قريش، لا من الأشراف اللاهين العابثين تفاهة وانغماسا في الملذات، فما كانت أيام شبابه لهوًا وعبثًا، ولكن كان يأخذ نفسه بمعالي الأمور ويدع سفاسفها، لا يرضى الدنية، دقيق الحس فصيح اللسان، قوي العارضة، عرفت قريش عنه كل ما يشرفها، ويجعله في الصدارة مع إخوانه فأعطته المكانة التي شرفت بتقلده إياها فإن عمر كان سفير قريش في الجاهلية، وما أعلى السفارة قدرا عند ذوي الفصاحة والحجى، وكانت قريش أفصح العرب وبلغتها نزل القرآن فأين عمر وهو سفيرها في هذا المجال ! وهل أرضى للمرء عند نفسه، وأكرم عند قومه من أن يكون المقدم إذا حق اللقاء، والمفوه المنشود إذا كان المجال الحجة والكلام؟ (شهيد المحراب عمر بن الخطاب أ / عمر التلمساني ص 48)
ولعل أبا جهل كان يتصف بصفات عديدة من قوةِ جسدٍ، وثروة كبيرة وعائلة عريقة، غير أن كليهما يشترك في صفة عزيزة الوجود في الرجال، في حين كان الإسلام في حاجة شديدة إليها، ألا وهي صفة القيادة، ولعل هذا كان سر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعز الله الإسلام بأحدهما.
" فبالرغم من الحرب العنيفة التي يشنّها الرجلان على الإسلام، لم تكن تخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقومات الزعامة والقيادة فيهما، وأن وجود أحدهما في الصف الإسلامي يعني قوة هذا الصف واعتزازه، وإن وراء الكفر المتبجح قلوبا لم تصطدم بعدُ بتيار الإسلام القوي، ولم تصل لها القوة الكهربية الضخمة. إنها حين تكون الصدمة قوية قد تغير الكيان كله، وهذا ما وقع في قدر الله، ودفع إلى إسلام عظيم الرجال عمر بن الخطاب... " (المنهج الحركي للسيرة النبوية أ/ منير الغضبان)
ولا ننس هذه الرواية التي معنا وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر خاصة بأن يسلم فيروي ابن ماجه بسنده عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَاصَّةً. (المقدمة باب فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث رقم 102)
وقد استجاب الحق تبارك وتعالى لتلك الدعوة النبوية، فقر الإسلام بالفاروق، وعز به أهل الإسلام.
ولقد بلغ عمرأوجًا شاهقًا في محراب الإيمان والتقوى، والتبتل والتخشع، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرى رؤيا عجيبة ورؤيا الأنبياء حق فيقول: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهُمْ مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينُ.
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ ". وفي لفظ آخر: " أَقْوَاهُمْ فِي اللَّهِ عُمَرُ ".
وقال صلى الله عليه وسلم في مدحه للفاروق وعدم حبه للباطل: " هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ ".
(مسند أحمد حديث رقم 15033)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ". (الترمذي 3619)
وقال ابن حجر العسقلاني: السبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن الكريم مطابقًا لها، ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات.
الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد بعبقرية الفاروق رضي الله عنه
روى البخاري بسنده عمن سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ ". (البخاري- حديث رقم 3391)
معاني بعض الكلمات:
استحالت غربا: تحولت إلى دلو كبيرة كناية عن قوة أخذه وعمله.
ضرب الناس بعطن: أي رووا ورويت إبلهم فأقامت على الماء.
من أطاعه رشد
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَرْشَدُوا ".
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح (صحيح ابن حبان جزء 15 ص327)
ويدعو له بالشهادة
ويروي ابن ماجه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمٍيصًا أَبْيَضَ، فَقَالَ: ثَوْبُكُ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ؟ قَالَ: لَا بَلْ غَسِيلٌ. قَالَ: الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمِتْ شَهِيدًا " (سنن ابن ماجه، كتاب اللباس، باب ما يقول الرجل إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم 3548)
ولله در علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما أبلغه عندما قال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.